قراءة في تعديلات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية وآثارها التطبيقية

قراءة في تعديلات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية وآثارها التطبيقية

نبذه عن المؤالف

أثير الزهراني

كاتبة محتوى قانوني بخبرة سابقة في مجال المحاماة، وأخصائية قانونية ضمن فريق شركة قانونية، مهتمة بالتقنية القانونية وتطوراتها.

مقدمة

شهدت اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية منذ صدورها عام 1441هـ مسارًا متدرجًا من المراجعات التنظيمية، استجابة للتحولات التقنية والإدارية التي شهدتها بيئة المشتريات الحكومية خلال الأعوام الماضية. 

وقد أعدّت وزارة المالية مشروع تعديل جديد نُشر عبر منصة استطلاع (1) بغرض تمكين المختصين والمستفيدين من الاطّلاع عليه وإبداء مرئياتهم حول صياغته ومضامينه، متضمّنًا عددًا من الأحكام التفصيلية التي تستهدف معالجة إشكالات واقعية ظهرت أثناء التطبيق.

ويُظهر الخط الزمني المنشور في منصة قانونية، لتطور اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، أنّها مرّت بعدة مراحل تطويرية منذ اعتمادها الأول بالقرار الوزاري رقم (1242) وتاريخ 21-03-1441هــ، حيث أعقبتها تحديثات جزئية متتابعة تناولت مواد محددة في ضوء الممارسة العملية.
هذا التسلسل الزمني يكشف أن التوجه التشريعي كان يقوم على التحسين التدريجي للنصوص بدلًا من إعادة صياغتها الكاملة، وهو ما يتسق مع فلسفة التنظيم الإداري القائم على الاستقرار التشريعي وتحديث الأدوات دون المساس بالبنية العامة.

لخط الزمني لتعديلات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادرة عن وزارة المالية، كما نُشر في منصة قانونية

أما من حيث مضمون المشروع المعروض، فيتضح أن التعديلات المقترحة تمس الإجراءات أكثر من المبادئ، إذ تسعى إلى تطوير آليات التنفيذ دون إحداث تحوّل في الإطار النظامي ذاته. 

أولًا: تعديل المادة (88) من اللائحة التنفيذية للنظام

شملت التعديلات المقترحة إعادة صياغة المادة (88) من اللائحة التنفيذية، وهي المادة التي تُنظِّم المدة المقررة لتوقيع العقد بعد تقديم الضمان النهائي وما يرتبط بها من أحكام وإجراءات.

وقد قررت اللائحة في صيغتها النافذة أن تحديد هذه المدة يُترك لتقدير الجهة الحكومية، فإذا تأخر المتعاقد عن الحضور دون عذر مقبول يُنذر، ثم يُنهى التعاقد ويُصادر الضمان النهائي إذا لم يلتزم بالموعد المحدد.
وهي صياغة عامة لم تضع حدًّا أقصى للمدة، ولم تُفرّق بين التأخير الناشئ عن المتعاقد، والعائد إلى الجهة ذاتها.

أما المشروع المقترح فقد أعاد بناء المادة على نحو أكثر دقة وانضباطًا، فنص على ألا تتجاوز مهلة توقيع العقد ثلاثين يوم عمل من تاريخ تقديم الضمان النهائي، بحيث تُطبّق الجزاءات النظامية مباشرة عند التأخر غير المبرر.
كما استحدث معالجة جديدة تقضي بإحالة أسباب التأخير -سواء كانت صادرة عن المتعاقد أو عن الجهة الحكومية- إلى لجنة فحص العروض للنظر في مدى المخالفة لأحكام النظام، مما يعكس قدرًا من التوازن في تحديد مسؤولية التأخير، بعد أن كان نطاقها في النص السابق محصورًا عمليًا في جانب المتعاقد.

ومن الإضافات الجديدة ما تضمّنته المادة المعدلة من معالجة لحالة تأخر الجهة الحكومية في توقيع العقد بعد تقديم صاحب العرض الفائز الضمان النهائي، أو عندما تضع الجهة جدول دفعات (معالم) لا يتناسب مع تكلفة وتوقيت مخرجات العقد. وهي من الإشكالات المتكررة في الواقع العملي، إذ كان المتعاقد يجد نفسه ملتزمًا بعرضه رغم أن سبب التأخير أو الخلل في الجدول الزمني صادر من الجهة الحكومية ذاتها.

ونصّ المشروع على أنه في هذه الحالات، يجوز لصاحب العرض الفائز الانسحاب من المنافسة بعد إشعار الجهة الحكومية برغبته في ذلك، ومضي عشرة أيام عمل دون توقيع العقد أو تعديل جدول الدفعات، على أن تُعاد إليه ضماناته المقدمة، وينتقل الحق في الترسية إلى العرض الذي يليه إن وُجد عرض مقبول، أو تُلغى المنافسة عند عدم توافر عروض أخرى صالحة.
ويُعد هذا الحكم من أبرز صور التطور في تنظيم العلاقة التعاقدية، إذ يوفر للمتعاقد حماية نظامية من آثار التأخير الإداري، بعد أن كان النص السابق لا يتضمن أي معالجة لهذه الحالة.
كما يُعيد هذا التعديل التوازن إلى مركز الطرفين في مرحلة ما بعد الترسية، فيُلزم الجهة الحكومية بالالتزام بالمدد النظامية أو تعديل جداولها بما يتفق مع التزامات العقد، وإلا عُدّ المتعاقد في حِلٍّ من التزامه دون أن يُحمَّل تبعات تأخير لم يكن سببًا فيه.


ومن الناحية التطبيقية، يُتوقَّع أن يُسهم هذا التنظيم في الحد من النزاعات التي تسبق توقيع العقد، وتحفيز الجهات الحكومية على إعداد جداول دفعات واقعية تُراعي طبيعة المخرجات والتكاليف الفعلية للمشروعات، مما يعزز كفاءة الإنفاق ويقلل من حالات انسحاب الموردين بعد الترسية. ويُظهر التعديل أنه يستهدف معالجة التحديات التي يواجهها القطاع الخاص، خصوصًا تأخّر توقيع العقود وما يترتب عليه من تأخير في التنفيذ وصرف المستحقات، بما يحقق انضباطًا زمنيًا أكبر داخل الجهة الحكومية ومواءمة أدق بين الجدول الزمني للعقد ومتطلبات التنفيذ، مع الحاجة إلى أدلة تفسيرية تُوحّد التطبيق وتُحدّد الإجراءات التفصيلية لضمان فاعلية النص الجديد.

ثانيًا: تعديل المادة 132 من اللائحة التنفيذية

أما المادة (132) المتعلقة بإنهاء العقد للمصلحة العامة، فقد أُعيدت صياغتها بصورة موسّعة مقارنة بالنص القائم. إذ اقتصر النص الحالي على بيان قيد عام يستبعد اعتبار رغبة الجهة الحكومية في تنفيذ الأعمال بنفسها أو بواسطة متعاقد آخر سببًا من أسباب الإنهاء للمصلحة العامة، مع اشتراط إبلاغ المتعاقد بقرار الإنهاء ومرور ثلاثين يومًا قبل نفاذه، دون أن يتضمن تحديدًا للحالات التي تُعد من قبيل المصلحة العامة أو بيانًا للإجراءات النظامية التي تسبق هذا الإنهاء.

أما المشروع المقترح فقد قدّم معالجة أكثر تفصيلًا وشمولًا، إذ أعاد تنظيم أحكام إنهاء العقد للمصلحة العامة من خلال تقسيم الحالات إلى نوعين رئيسين:

1-  الحالات التي تُعد من قبيل المصلحة العامة "نصًا"
شمل التعديل تحديد مجموعة من الحالات التي يُعتبر فيها إنهاء العقد للمصلحة العامة دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من الوزارة، وهي الحالات التي يؤدي فيها استمرار العقد إلى الإضرار بالأمن أو الصحة أو السلامة العامة أو التأثير السلبي على البيئة، أو المساس بالمصالح الاقتصادية الحيوية للدولة، أو ظهور ظرف طارئ يحول دون استمرار الجهة الحكومية في تنفيذ العقد.
وفي هذه الحالات، أوجب المشروع أن تُبلِغ الجهة الحكومية المتعاقد بقرار الإنهاء، على ألا يكون القرار نافذًا إلا بعد مضي عشرين يوم عمل من تاريخ الإبلاغ، بما يمنح المتعاقد فرصة لتسوية أوضاعه قبل سريان الإنهاء.

ثانيًا: الحالات الأخرى التي لا تُعد من المصلحة العامة نصًا
أما إذا رأت الجهة أن استمرار تنفيذ العقد يتعارض مع المصلحة العامة دون أن يدخل في نطاق الحالات المحددة، فإن عليها رفع طلب إلى وزارة المالية يبيّن أسباب الإنهاء ومبرراته، مرفقًا بما يؤيده من مستندات ووثائق. وتتولى الوزارة النظر في الطلب والبت فيه خلال عشرة أيام عمل من تاريخ استلامه مكتملًا، ويُعد عدم الرد خلال هذه المدة قبولًا للطلب، مع جواز تمديد مدة البت لمدة مماثلة عند الحاجة، بشرط إشعار الجهة الحكومية بذلك قبل انتهاء المدة الأصلية.

ويُفهم من هذا التنظيم أن التعديل استهدف إحكام تطبيق مبدأ المصلحة العامة من خلال التفرقة بين الحالات التي يُفترض تحقق المصلحة العامة فيها بذاتها، وتلك التي تحتاج إلى تحقق ومراجعة فنية ومالية مسبقة. كما يُظهر التعديل توجهًا نحو ترسيخ الرقابة المسبقة على قرارات الإنهاء عبر اشتراط التسبيب، وإرفاق المستندات، وإخضاع القرار لمراجعة الوزارة المختصة، ضمانًا لحماية المال العام وصونًا لحقوق المتعاقد. ومن الناحية التطبيقية، من شأن هذا التنظيم أن يُقلّل من حالات الإنهاء المفاجئ أو التقديري للعقود، ويُعزّز الثقة في استقرار المعاملات التعاقدية الحكومية واستدامتها.

 مقترح تعديلات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات


ملاحظات نقدية حول التعديلات المقترحة

أثار عدد من المختصين والممارسين في مجال المشتريات الحكومية عددًا من الملاحظات النقدية على الصياغة التطبيقية للتعديلات المقترحة، مؤكدين أن النصوص المعدّلة تمثّل خطوة متقدمة في ضبط دورة التعاقد، لكنها قد تفرز بعض التحديات عند التنفيذ العملي.

1- ففيما يتعلق بالمادة (88)، رُئي أن مهلة الثلاثين يوم عمل لتوقيع العقد بعد تقديم الضمان النهائي قد لا تتناسب مع الواقع التنفيذي في ضوء المدد النظامية الخاصة بإجازة العقود من وزارة المالية أو البتّ في الاعتراضات والتظلّمات، مما قد يضع الجهات الحكومية في حرجٍ إجرائي إذا لم يُراع هذا القيد. كما طُرح أن النص استخدم تعبيرات لا تتسق مع البيئة الإلكترونية الحالية كعبارة “الحضور للتوقيع”، في حين أن جميع إجراءات التعاقد تتم رقميًا عبر المنصات الإلكترونية، مما يستدعي ضبط لغة النص وآلية احتساب المدد بما ينسجم مع التحول الرقمي الكامل.
كما نبّه عدد من الممارسين إلى ضرورة تحديد الجهة المختصة بقبول الأعذار في حال التأخر، واقترحوا تشكيل لجنة داخلية مستقلة في كل جهة تفصل في الأعذار وفق معايير محددة، تحقيقًا للحوكمة والشفافية. وأُشير أيضًا إلى أهمية معالجة حالات التأخير الناتجة عن جهات أخرى كوزارة المالية أو هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، مع النص على آلية لتعويض المتعاقد عن الأضرار الفعلية المترتبة على هذه الحالات.

2- أما فيما يتعلق بالمادة (132)، فقد وُصف توسيع مفهوم “المصلحة العامة” بأنه خطوة إيجابية من حيث الضبط، لكنه بحاجة إلى مزيد من التوضيح والتفصيل لضمان وحدة التطبيق بين الجهات. وطُلب إدراج دليل تفسيري يبيّن الأمثلة النموذجية للحالات التي تُعد مصلحة عامة فعلًا، مع بيان حق المتعاقد في التظلم إلكترونيًا خلال مدة محددة عند صدور قرار الإنهاء، والنظر في النص على تعويض عادل في الحالات التي يُنهى فيها العقد دون تقصير من المتعاقد. كما أُثيرت ملاحظات حول عبارة “يعد عدم الرد خلال هذه المدة قبولًا للطلب”، ودُعي إلى تقييدها بشرط اكتمال المستندات والبيانات اللازمة، ضمانًا لسلامة الإجراء ومنع استغلال المدد النظامية.

المصادر

(١) مشروع تعديلات اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية - منصة استطلاع

جدول المحتويات

جدول المحتويات

نبذه عن المؤالف

أثير الزهراني

كاتبة محتوى قانوني بخبرة سابقة في مجال المحاماة، وأخصائية قانونية ضمن فريق شركة قانونية، مهتمة بالتقنية القانونية وتطوراتها.

أثير الزهراني

كاتبة محتوى قانوني بخبرة سابقة في مجال المحاماة، وأخصائية قانونية ضمن فريق شركة قانونية، مهتمة بالتقنية القانونية وتطوراتها.

اطلع على جميع المقالات