استخدام أسماء وصور الشخصيات المشهورة في تسجيل العلامات التجارية

ندى المقبل
November 19, 2025
November 19, 2025
November 19, 2025
تمت المراجعة بواسطة
أثير الزهراني
نبذه عن المؤالف

ندى المقبل
أخصائية قانونية - مختصة ملكية فكرية - مهتمة بالدراسات والبحوث القانونية
هل بالإمكان استخدام صور وأسماء شخصيات مشهورة أو تاريخية وتسجيلها كعلامة تجارية خاصة؟
الإجابة:
النظام يمنع ويسمح في الوقت ذاته!
كيف ذلك؟
تنص المادة الثانية من نظام العلامات التجارية السعودي في فقرتها (ز) على ما يلي:
“لا تُعدّ ولا تُسجّل علامة تجارية الإشارات والشعارات والأعلام وغيرها الوارد بيانها أدناه... (ز) صور الآخرين أو أسماؤهم الشخصية أو التجارية ما لم يوافقوا هم أو ورثتهم على استعمالها.”
ويُستفاد من هذا النص أن الأصل هو المنع، والاستثناء هو السماح عند وجود موافقة صريحة. وهذا منطق تشريعي متوازن، لأن الغاية ليست التضييق على المستثمرين أو المبدعين، بل فرض حماية الحقوق الشخصية والسمعة العامة من الاستغلال غير المشروع.

لكن السؤال الذي يُطرح عمليًا:
إلى أي مدى يمكن اعتبار استخدام الصورة أو الاسم تعديًا على هذا الحق؟ وأين يقف الخط الفاصل بين الاستخدام المباح والاستخدام الممنوع؟
في الواقع العملي، ظهرت العديد من الحالات التي حاولت فيها الشركات الالتفاف على النص، من خلال إضافة تغييرات طفيفة على الاسم أو الصورة بحيث لا تكون مطابقة تمامًا، لكنها تظل واضحة في دلالتها على الشخصية الأصلية. كأن تُسجّل علامة تحتوي على اسم “أم كلثوم العصرية” أو “نيو محمد علي”، فتبدو كأنها مختلفة شكلاً، لكنها في الحقيقة تستغل شهرة الاسم الأصلي للإيحاء بالجودة أو المكانة.
هنا يتدخّل النظام لحماية جوهر الحق، لا مجرد شكله.
فمتى ما كان المغزى التجاري من العلامة هو استغلال اسم شخص مشهور دون إذنه، فإن التسجيل يُرفض بغض النظر عن حجم التلاعب بالصياغة أو الإضافة.
ومع ذلك، يظل الباب مفتوحًا للمشروعية إذا تحققت الموافقة. فإذا أبدى الشخص نفسه أو ورثته موافقتهم الكتابية على استخدام الاسم أو الصورة، فإن العلامة تصبح مشروعة تمامًا من منظور النظام.
وهذا المبدأ ينسجم مع القاعدة العامة في الفقه والقانون، وهي أن “التراضي يرفع الحظر”، طالما أن الحق المملوك ليس من الحقوق العامة أو غير القابلة للتنازل.
على سبيل المثال:
لو حاولت شركة تسجيل اسم "محمد علي" كعلامة تجارية لمنتجات رياضية دون إذن الورثة، فسيرفض مكتب العلامات الطلب مباشرة، لأن الاسم يرتبط بشخصية ذات شهرة تاريخية، ولها قيمة رمزية ومعنوية كبيرة.
أما إذا كان هناك عقد رسمي من الورثة يمنح الإذن، فيُقبل التسجيل لوجود الأساس النظامي لذلك.
المسألة إذًا ليست في الاسم ذاته، إنما في الحق في استغلال الاسم أو الصورة تجاريًا. وهذا ما يُعرف في الفقه القانوني الحديث باسم "حق الشهرة" أو Right of Publicity، وهو حق لصيق بالشخصية، يحمي صورتها واسمها من الاستخدام التجاري غير المصرّح به.
ويتميّز هذا الحق عن حقوق الملكية الفكرية الأخرى (كالعلامة التجارية أو حق المؤلف) في أنه لا يقوم على الإبداع أو الاختراع، بل على السمعة والقيمة الاجتماعية للشخص.
فالممثل، أو اللاعب، أو السياسي، أو العالم البارز، جميعهم يكتسبون شهرتهم من الجمهور، لكن استغلال هذه الشهرة في أغراض تجارية دون إذنهم يُعد تعديًا على حقهم في السيطرة على صورتهم العامة.

النظام السعودي من خلال المادة الثانية فقرة (ز) أرسى توازنًا دقيقًا بين مصلحتين:
الأولى، حماية الحقوق الشخصية وصون الكرامة والسمعة من أي استغلال غير مشروع.
والثانية، تمكين الاستثمار القانوني في الأسماء والصور بإذن أصحابها، بما يعزز النشاط التجاري بطريقة مشروعة ومنضبطة.
ويُلاحظ أن هذا التوجه لا يختلف كثيرًا عن ما هو معمول به في الأنظمة المقارنة.
ففي القانون الأمريكي مثلاً، تُعتبر دعاوى“Right of Publicity” من الدعاوى المعروفة، حيث يُمكن لورثة أي شخصية مشهورة رفع دعوى تعويض ضد من يستخدم اسمها أو صورتها دون إذن. وكذلك في القوانين الأوروبية، يُعد هذا الحق امتدادًا لحق الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة.
من زاوية عملية، يُستحسن لأي جهة ترغب في استغلال اسم أو صورة شخصية مشهورة سواء لغرض تجاري، دعائي، أو تسويقي أن تستحصل أولًا على موافقة خطية موثقة من الشخص نفسه أو ورثته. وهذه الخطوة لا تضمن فقط سلامة الوضع القانوني، إنما تُعد حماية استباقية ضد أي نزاع محتمل في المستقبل.
الخاتمة
نخلص إلى أن المنظم السعودي نجح في رسم معادلة متوازنة بين حرية الاستثمار وحماية السمعة الشخصية، مؤكدًا أن الشهرة ليست مباحة للاستغلال، فهي حق لصاحبها، لا يُمسّ إلا بإذنه.
ويتضح أن النظام لا يمنع الإبداع التجاري، لكنه يمنع الاستغلال غير المشروع للهوية.

.webp)
.png)
.webp)
.jpeg)