نظرة عامة على الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر
.png)
أثير الزهراني
October 19, 2025
October 19, 2025
October 19, 2025
تمت المراجعة بواسطة
أثير الزهراني
نبذه عن المؤالف
.png)
أثير الزهراني
أخصائية قانونية وكاتبة محتوى قانوني في منصة قانونية
مقدمة
في ظلّ الارتفاع المتزايد في أسعار الإيجارات والعقارات خلال السنوات الأخيرة، وما ترتّب عليه من صعوبة في الحصول على سكنٍ ملائم واستقرارٍ معيشي وتجاري، برزت الحاجة إلى تدخلٍ نظامي يعالج هذا الاختلال ويحافظ على توازن السوق العقاري وعدالته.
ومن هذا المنطلق، وبتوجيهٍ كريم من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - اعتمدت الهيئة العامة للعقار الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بوصفها تنظيمًا جوهريًا جديدًا يهدف إلى ضبط الأسعار، وتحقيق الاستقرار السكني والتعاقدي، ورفع مستوى الشفافية والموثوقية في التعاملات الإيجارية
أولًا: الطبيعة القانونية للتنظيم الجديد
تمثّل الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر مرحلة تشريعية جديدة في تنظيم السوق العقاري، إذ صدرت بموجب قرار من مجلس الوزراء ومرسوم ملكي كريم، ما يمنحها قوة نظامية ملزمة تطبّق على جميع عقود الإيجار السكنية والتجارية المشمولة بأحكامها.
وتهدف هذه الأحكام إلى تحقيق توازن تعاقدي وعدالة في تحديد الالتزامات بين طرفي العلاقة الإيجارية، ضمن إطار زمني محدد بخمس سنوات.
كما يعزّز هذا التنظيم تطبيق مبادئ نظامية، أبرزها:
- أولوية الاستقرار: بجعل التجديد التلقائي قاعدة عامة، وضمان بقاء المستأجر ما لم تطرأ حالات نظامية مبررة.
- التوازن والعدالة: من خلال تثبيت الأجرة ومنح المؤجر في الوقت نفسه حق الاعتراض في حالات محددة نظامًا.
- الشفافية: عبر إلزام توثيق جميع العقود في شبكة "إيجار" الإلكترونية، بما يعزّز الثقة والموثوقية في المعاملات.
- الحوكمة والرقابة: بتحديد الغرامات والمخالفات وتفعيل دور اللجان المختصة، لضمان التطبيق العادل والرقابة الفاعلة.

ثانيًا: المحاور الرئيسة في التنظيم
أ. إيقاف الزيادة السنوية لقيمة إيجار الأجرة العقارية
من أبرز ما جاءت به الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر هو إيقاف الزيادة السنوية في قيمة الأجرة الإجمالية للعقارات السكنية والتجارية، سواء في العقود القائمة أو الجديدة، وذلك لمدة خمس سنوات تبدأ من 3 ربيع الثاني 1447 هـ الموافق 25 سبتمبر 2025م.
ويُطبق هذا الحكم على العقارات الواقعة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، على أن يكون لمجلس إدارة الهيئة العامة للعقار - بعد موافقة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية - صلاحية توسيع نطاق التطبيق ليشمل مدنًا ومحافظات ومراكز أخرى متى دعت الحاجة إلى ذلك.
كما نصّ التنظيم على أن العقار الشاغر الذي سبق تأجيره تُحتسب أجرته الجديدة وفق آخر عقد إيجار موثق في شبكة “إيجار”، بينما تُحدد أجرة العقارات التي لم يسبق تأجيرها باتفاق الطرفين، وفقًا لظروف السوق وموقع العقار.
ويُظهر هذا التنظيم انتقال السوق العقاري من الاعتماد الكامل على آلية العرض والطلب إلى نظام ضبط سعري منضبط ومؤقت يهدف إلى معالجة التشوهات السوقية والحد من التضخم الإيجاري، مع الإبقاء على مبدأ حرية التعاقد في تحديد الأجرة الابتدائية للعقارات الجديدة. كما يُجسد تطبيقًا عمليًا لمبدأ العدالة التعاقدية المنصوص عليه في نظام المعاملات المدنية، إذ يوازن بين حرية الأطراف ومصلحة المجتمع في استقرار الأسعار وقدرة الأفراد والمنشآت على السكن ومزاولة النشاط التجاري ضمن بيئة عادلة ومتوازنة.
ب. تثبيت أجرة العقارات الشاغرة وتنظيم تحديد الأجرة للعقارات الجديدة
نصّت الأحكام النظامية على أن قيمة الأجرة الإجمالية لعقود إيجار العقارات السكنية والتجارية الشاغرة التي سبق تأجيرها تُثبت وفقًا للقيمة الإجمالية لآخر عقد إيجار موثق في شبكة “إيجار”، وذلك لضمان استقرار السوق ومنع رفع الأسعار بشكل غير مبرر.
أما العقارات التي لم يسبق تأجيرها، فتُحتسب أجرتها بحسب ما يُتفق عليه بين المؤجر والمستأجر، في ضوء ظروف السوق وموقع العقار وطبيعة الاستخدام.
ويعكس هذا التنظيم تطبيق مبدأ التوازن بين الاستقرار والمرونة، إذ يمنع الزيادات العشوائية في الإيجار للعقارات القائمة، ويُبقي على حرية الأطراف في تحديد الأجرة الابتدائية للعقارات الجديدة. كما يهدف إلى الحد من الفجوات السعرية داخل السوق العقاري وتحقيق العدالة التعاقدية بين الطرفين، بحيث لا يُستغل نقص المعروض أو زيادة الطلب في فرض أسعار مبالغ فيها على المستأجرين.
ج. توثيق العقود الإيجارية في شبكة “إيجار”
أوجبت الأحكام على المؤجر في حال وجود عقد إيجار غير مسجل في شبكة “إيجار” أن يتقدم بطلب لتسجيل العقد إلكترونيًا، كما منحت المستأجر الحق في تسجيل العقد بنفسه، ضمانًا لتكافؤ المركز القانوني بين الطرفين.
وبعد التسجيل، يُخطر الطرف الآخر بالعقد ويُمنح مهلة ستين يومًا للاعتراض أمام الهيئة العامة للعقار على البيانات الواردة فيه، فإذا انقضت المدة دون اعتراض اعتُبرت بيانات العقد صحيحة ونافذة نظامًا.
وتعزز هذه الخطوة الشفافية في التعاملات الإيجارية وتمنح العقود قوة نظامية، إذ يصبح التوثيق الإلكتروني هو المرجع الأساسي لإثبات العلاقة الإيجارية أمام الجهات المختصة، ما يحدّ من النزاعات الناتجة عن العقود الورقية أو الشفوية، ويرفع من مستوى الثقة في السوق العقاري
د. تنظيم التجديد التلقائي للعقود ومنع الإخلاء غير المبرر
اعتمد التنظيم مبدأ التجديد التلقائي لعقود الإيجار في جميع مدن المملكة، بحيث يُعدّ العقد مجددًا تلقائيًا ما لم يُشعر أحد الطرفين الآخر بعدم الرغبة في التجديد قبل ستين يومًا على الأقل من تاريخ انتهائه.
واستثنى التنظيم العقود التي تبقّى على انتهائها تسعون يومًا أو أقل عند نفاذ الأحكام، والعقود التي يتفق الطرفان على إنهائها بالتراضي بعد مرور المهلة المحددة للإشعار. كما أجاز للهيئة العامة للعقار تعديل مدة الإشعار في العقود النموذجية بما يتناسب مع نوع العقد ومدته.
وفيما يتعلق بالعقارات الواقعة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، قيد المنظِّم حق المؤجر في الامتناع عن تجديد العقد بثلاث حالات لا غير، لا يجوز التوسّع فيها أو القياس عليها، وهي:
- تخلّف المستأجر عن سداد الأجرة.
- ثبوت وجود عيوب هيكلية في العقار تمس سلامته وسلامة قاطنيه بموجب تقرير فني معتمد من الجهة الحكومية المختصة.
- رغبة المؤجر في الانتفاع بالوحدة العقارية لنفسه أو لأحد أقاربه من الدرجة الأولى.
ويُعدّ هذا القيد أحد أبرز مظاهر الاستثناء المطبق في مدينة الرياض، إذ جعل المنظّم استمرار العقد هو الأصل، والإخلاء هو الاستثناء، بما يعزز الاستقرار السكني والتعاقدي ويحدّ من الإخلاء التعسفي، مع الحفاظ على حق المؤجر في الحالات التي يقرّها النظام صراحةً.
هـ. حق المؤجر في الاعتراض على القيمة الإيجارية
أعطى التنظيم للمؤجر الحق في الاعتراض على القيمة الإيجارية المحددة للعقار الشاغر في غير العقود القائمة، إذا وُجدت أسباب نظامية تبرر ذلك. ومن هذه الحالات:
- إذا خضعت الوحدة العقارية لترميمات إنشائية أو هيكلية جوهرية أثّرت في قيمتها الإيجارية.
- إذا كان آخر عقد إيجار للعقار مُبرمًا قبل عام 2024م.
- أو في أي حالات أخرى يعتمدها مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار.
ويُقدم الاعتراض أمام الهيئة وفق الضوابط والآليات التي تضعها.
وتُبرز هذه المادة توازن التنظيم بين حماية المستأجر من الزيادات غير المبررة وضمان حق المؤجر في المحافظة على القيمة الحقيقية لعقاره متى طرأت تغييرات جوهرية تبرر تعديل الأجرة.
و. النطاق الزمني والمكاني لتطبيق التنظيم
أكدت الأحكام أن مخالفة بنودها - كتجاوز تثبيت الأجرة أو رفض التجديد أو الامتناع عن التوثيق في “إيجار” - تُعرض المخالف لغرامة مالية لا تتجاوز قيمة أجرة 12 شهرًا للوحدة محل التعاقد، مع إلزامه بتصحيح المخالفة وتعويض المتضرر إن وُجد.
ويصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار جدولًا تفصيليًا بالمخالفات وما يقابلها من غرامات، مع مراعاة جسامة المخالفة وظروفها.
كما منح التنظيم مكافأةً تشجيعية لا تتجاوز 20% من قيمة الغرامة المحصلة لمن يبلّغ عن أي مخالفة - من غير المختصين بتطبيق الأحكام- إذا قدّم معلومات أدت إلى صدور قرار نهائي بثبوتها.
ويحدّد مجلس إدارة الهيئة ضوابط صرف المكافآت وآلية تقسيمها عند تعدد المبلّغين.
وتُعد هذه الآلية خطوة مهمة في تعزيز الرقابة المجتمعية وتفعيل الشفافية والامتثال في السوق العقاري.

ثالثًا: أثر التنظيم الجديد على سوق الإيجار والعلاقة التعاقدية
أعادت الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر تشكيل العلاقة التعاقدية بين الطرفين، إذ انتقلت من الخضوع الكامل للسوق إلى نظام منضبط يوازن بين حرية التعاقد والمصلحة العامة.
فقد ثبّتت الأجرة، ومنعت الإخلاء التعسّفي، وقرّرت التجديد التلقائي للعقود، مما عزّز استقرار المستأجرين والأسر والمنشآت، مع إبقاء حق المؤجر في الاعتراض أو الاستخدام الشخصي ضمن حدودٍ نظامية محددة.
وعلى المستوى العملي، أسهم التنظيم في تحقيق استقرار مالي ومعيشي، ورفع شفافية السوق العقاري، ويُرسّخ بيئة إيجارية أكثر عدالة واستدامة.
ويُعدّ خطوة جوهرية نحو قطاع عقاري منظم ومتوازن يعزز الثقة بين أطراف العلاقة، ويدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء سوق عقاري عادل ومستقر.
مراجع:
- الأحكام النظامية الخاصة بضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر
- النشرة التعريفية للأحكام النظامية لضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر
- الهيئة العامة للعقار – الخبر الرسمي حول صدور الأحكام النظامية لضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر


.webp)

.webp)


