المسؤولية المدنية للطبيب

عمر الشهري
November 4, 2025
November 4, 2025
November 4, 2025
تمت المراجعة بواسطة
أثير الزهراني
نبذه عن المؤالف

عمر الشهري
أخصائي قانوني، ومؤلف لبعض المؤلفات الأدبية، وباحث لبعض المواضيع القانونية. حاصل على درجة الماجستير في القانون. وحاصل على عدد من شهادات الاعتماد المهني والشهادات الاحترافية. مهتم بنشر الثقافة القانونية.
مقدمة:
جاءت الشريعة الإسلامية بمنظومة تشريعية متكاملة استغرقت تنظيم شئون وتعاملات الحياة الدنيا، وأرشدتنا كذلك إلى النهج القويم والطريق الصحيح إلى الحياة الآخرة.
وانطلاقا من تلك المقاصد فقد صانت الشريعة الإسلامية الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال.
إذ أعطت هذه الضروريات أهمية بالغة فحرمت الاعتداء عليها أو إلحاق الضرر بها بغير مسوغ مشروع.
.jpg)
أهمية حماية النفس في الشريعة والنظام:
وعليه ولما للنفس من أهمية ولما قد يصيب الجسد من أمراض أو أعراض تستدعي التدخل الطبي للتداوي؛ فقد حرص الفقه الإسلامي ومن بعده القوانين الوضعية على تنظيم التدخل الطبي الذي يحصل به تداوي ذلك الجسد وعلاجه، إذ أن مهنة الطب كما هو معلوم تعد مهنة إنسانية في المقام الأول، إلا أن ممارستها محفوفة بكثير من الإجراءات المعقدة والاحتمالات الخطرة، وذلك لأن الخطأ فيها يرتب نتائج مباشرة تمس حياة الإنسان؛ فإما ينطوي على طلب التداوي نتيجة إيجابية أو سلبية، وقد تفضي بعض النتائج بالحياة عند وقوع بعض الأخطاء الطبية.
ومع التطور المتسارع في مجال العلوم الطبية، زادت المخاطر التي قد تلحق بجسم الإنسان وسلامته.
تطور المسؤولية الطبية وأهميتها:
إن حماية الإنسان وسلامته المعنوية والمادية تتضمن حماية حقه في الحياة على أساس أن أي مساس أو اعتداء يهدد الحد الأدنى اللازم لاستمرار هذه الحياة يقع تحت طائلة القانون، فتقدم العلوم الطبية تجعل من مسؤولية الطبيب أمرا بالغ الأهمية والخطورة، خاصة في حالة عدم الشفاء أو إحداث مضاعفات من شأنها المساس بسلامة الإنسان.
وهنا يثار التساؤل: هل الطبيب مطالب ببذل عناية فقط أم أنه ملزم بتحقيق نتيجة؟
التزام الطبيب: بذل عناية أم تحقيق نتيجة؟
من المستقر عليه فقها ونظاما أن التزام الطبيب هو التزام ببذل العناية اللازمة والضرورة للمريض، وليس ملزم بشفاء المريض بعد بذل الأسباب المطلوبة للتداوي؛ لأن الشفاء من الله -عز وجل-. كما يُعد التزام الطبيب ضمن التشريعات والتعليمات الطبية التزام ببذل عناية وجهود صادقة ويقظة متفقة مع الأصول العلمية والعملية المقررة، وهي من الأصول الطبية الثابتة والمستقرة علميا والمتعارف عليها نظريا وعلميا بين الأطباء، والتي يجب أن يلم بها ويراعيها كل طبيب وقت ممارسته للعمل الطبي، ولا يتسامح أهل الخبرة والمعرفة مع من يجهلها من أصحاب المهنة.
وفي ذات الشأن فقد نص نظام مزاولة المهن الصحية "الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/59 وتاريخ 4/11/1426هـ" على أن "التزام الممارس الصحي الخاضع لأحكام هذا النظام هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها"، وهذا يعني أن مسؤولية الطبيب تجاه المريض هي مسؤولية عناية، وليست مسؤولية شفاء.
.webp)
الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة:
إلا أن هناك حالات استثنائية يقع فيها التزام على الطبيب بتحقيق نتيجة تتثمل في سلامة المريض، وهي:
أولًا: نقل الدم
إذ يقع على الطبيب هنا التزاما يقضي بتحقيق نتيجة، تتثمل في سلامة المريض عن طريق نقل الدم النقي للمريض والذي يتوافق مع فصيلة دمه، فيجب أن يكون سليما خاليا من الأمراض.
ثانيا: التحاليل الطبية:
تعتبر هذه التحاليل من العمليات التي تقع على محل محدد تحديدا دقيقا، لذا فإن التزام الطبيب بالنسبة للتحاليل العادية التزاما بتحقيق نتيجة وهي سلامة التحليل ودقته.
ثالثا: الأدوات والأجهزة الطبية:
خلال قيام الطبيب بمعالجة المريض قد يستخدم الأجهزة والأدوات الطبية، وعلى ذلك فإنه ملزم بسلامة المريض عن الأضرار التي تلحق به من جراء استخدام الآلات والأدوات الطبية أثناء عمليات العلاج أو الجراحة، وضمان الأضرار المقصودة التي تنشأ نتيجة وجود عيب أو عطل بالأجهزة والأدوات المذكورة.
رابعا: تركيبات الأعضاء الصناعية:
تثير عملية تركيب الأعضاء الصناعية المسؤولية الطبية من جانبين:
أ. جانب طبي يتمثل في مدى فاعلية العضو الصناعي وتناسبه مع حالة المريض، وهنا يلتزم الطبيب ببذل العناية.
ب. والجانب الآخر هو: مدى سلامة العضو الصناعي وجودته، وهذه مسألة تقنية يكون التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة وهي ضمان سلامة الجهاز أو العضو الصناعي ومناسبته لجسم المريض.
خامسا: عمليات التجميل:
وهذا النوع من العمليات لا يكون الغرض منها علاج المريض في المقام الأول، بل أن الهدف المنشود منها غالبا هو إزالة تشوهات في الجسم، فإذا كان التزام الطبيب في هذا المجال يبقى في الأصل التزام ببذل عناية؛ إلا أن هذا الالتزام يقترب شيئا فشيئا من الالتزام بتحقيق نتيجة، وهذا ما يمكن أن نسميه التزام ببذل عناية مضاعفة، لأنه ليس من المقبول عند المريض أن يذهب للطبيب لعلاج تشوه ما؛ فيخرج بتشوه أخر أو بضرر مستديم، ويكون بذلك لم يحقق النتيجة المرجوة بل قد يفاقم المشكلة الأصل.
خاتمة: جوهر المسؤولية المدنية للطبيب
ختاما تعرف المسؤولية المدنية للطبيب بأنها: إخلال الطبيب بالتزام يقع على عاتقه بموجب النظام، وينتج عن هذا الإخلال ضرر لشخص آخر، وهذا الضرر يتطلب التعويض لجبره.

.webp)


